samedi 10 mars 2012

معالم في معاني و انواع الهجرة

معــالم في معـــــاني وأنواع الهجرة

لـ :عبد الرحمان الطوخي

وقد ذكر القرطبِيُّ - رحمه الله - في تفسيره نقلاً عن ابن العربِيِّ - رحمه الله - أنَّ العلماء قسَّموا الهجرةَ قسمينِ: هجرة هُروب، وهجرة طلَبٍ، وأنَّ هجرة الْهُروب ستَّة أقسام:

1- الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام، وكانت فرْضًا أيام النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهي باقية مَفروضة إلى يوم القيامة، والتي انقطعت بالفَتْح هي القصد إلى النبِيِّ حيثُ كان.

فإنْ بَقِي في دار الحرب عَصَى، ويُختلف في حاله.

2- الخروج من أرض البِدْعة: قال ابن القاسم: سَمِعتُ مالكًا يقول: لا يحلُّ لأحد أن يُقيم بأرضٍ يُسَبُّ فيها السَّلَف؛ قال ابن العربي: وهذا صحيح، فإنَّ الْمُنكَر إذا لم تَقْدِر أن تغيِّرَه فزُلْ عنه؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 68].

3- الخروج مِن أرضٍ غلَب عليها الحرام، فإنَّ طلَبَ الحلال فرْضٌ على كل مسلم.

4- الفِرار مِن الإصابة في البدَن: وذلك فضْلٌ مِن الله رخَّص فيه، فإذا خشِيَ على نفسه، فقد أذِنَ الله في الخروج عنه، والفِرار بنَفسه؛ ليُخلِّصها مِن ذلك المَحْذور، وأول مَن فعَله إبراهيم - عليه السَّلام - فإنه لمَّا خاف من قومه، قال: ﴿ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الصافات: 99]، وقال: ﴿ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي ﴾ [العنكبوت: 26]، وقال الله مُخْبرًا عن موسى: ﴿ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ﴾ [القصص: 21].

5- الخروج خَوفَ المرَض في البلاد الوَخِمة إلى الأرض النَّزِهة، وقد أذِن النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - للرُّعاة حين استَوخَموا المدينة أن يَخرجوا إلى المَسْرَحِ، فيكونوا فيه حتَّى يَصِحُّوا، وقد استُثنيَ مِن ذلك الخروجُ مِن الطاعون، فمنَع الله منه بالحديث الصحيح عن نبيِّه، غير أن العلماء قالوا: إنَّه مَكروه.

6- الفِرار خوْفَ الأذِيَّة في المال، فإنَّ حُرمة مال المسلم كحُرمة دمِه، والأهلُ مِثلُه وأَوْكَدُ.

ثم تَحدَّث عن هجرة الطلَب، وقسَّمها قسمينِ: طلَب دينٍ، وطلَب دُنيا، والأول يتعدَّد بتعدُّد أنواعه إلى تِسعة أقسام:

1- سفَر العِبْرَة، وهو كثير؛ قال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ [الروم: 9].

2- سفر الحَجِّ، وسفَر العِبْرة، وإنْ كان نَدْبًا، فسَفر الحجِّ فرْضٌ.

3- سفر الجهاد، وله أحكامه.

4- سفر المَعاش، فقد يتعذَّر على الرجل مَعاشه مع الإقامة، فيَخرج في طلبه لا يَزيد عليه، بصَيد أو احتطاب أو غيرهما، فهو فرْض عليه.

5- سفر التجارة والكسْب الزائد على القُوت والحاجة؛ وذلك جائز بفَضل الله، كما قال سبحانه: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [البقرة: 198]، وهي نعمة مَنَّ اللهُ بها في سفر الحج، فكيف إذا انفرَدَتْ؟

6- سفرٌ في طلَب العلْم، وهو مَشهور.

7- سفرٌ لقَصْد البقاع الخيِّرة، ومنه حديث: ((لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثة مساجد...))؛ رواه البخاري ومسلم.

8- سفرٌ لقصْد الثُّغُور والمُرابطة فيها؛ مِن أجل الجهاد.

9- سفر لزيارة الإخْوان في الله، كما في الحديث الذي يدلُّ على أن مَلَكًا أرصَدَه الله في طريقِ رجل ليَزور أخاه في الله، وبَشَّرَهُ بالجنة؛ رواه مسلم؛ اهـ (5/ 349 - 351).

والْهجرة من شريعة محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهي باقية إلى قيام السَّاعة، وشأْنُها عظيم، لا عمل يعدِلُها، ولا وظيفة تُساويها، كما في الحديث الذي أخرجه النَّسائي بسند صحيح من حديث أبي فاطمة الليثي - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله، حدِّثْني بعملٍ أستقيم عليه وأعمله؛ قال له رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((عليك بالهجرة، فإنه لا مثل لها)).

ومن له بالهجرة والقدرة عليها، إلاَّ قوي العزم والإرادة؟! وهل يقدر عليها كلُّ إنسان؟ لا يقدر عليها إلاَّ ببذل النَّفس لها، وشَحْذ الهمة للوصول إليها، أَلِهذه الدرجة أمْرُ الهجرة؟! الجواب: نعَم؛ لأنَّ أمر الهجرة شديد؛ لأنَّ بعض الناس يظنُّ أنه مهاجر وليس كذلك، وإنما هو مُهَجَّر، قال عمر: هاجروا ولا تهَجَّرُوا، قال أبو عبيد: يقول: أخلصوا الهجرة لله، ولا تَشبَّهوا بالمهاجرين على غير صحَّة منكم.

روى البخاري من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنَّ أعرابيًّا سأل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن الهجرة، فقال: ((ويْحك، إنَّ شأنَها شديد، فهل لك من إبِلٍ تؤدِّي صدقتها؟)) قال: نعم، قال: ((فاعمل من وراء البحار؛ فإن الله لن يَتِرَك من عملك شيئًا)).

قال الخطابِيُّ - رحمه الله - في "معالِم السُّنن": "وقوله ((لن يَتِرك)) معناه لن ينقصك، ومن هذا قوله - تعالى -: ﴿ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 35]، والمعنى أنَّك قد تدرك بالنِّسبة أجرَ المهاجر، وإنْ أقمْتَ من وراء البحار، وسكنْتَ أقصى الأرض.

ومن أعظم ما في الهجرة ما رواه البخاريُّ ومسلمٌ من حديث العلاء بن الحضرميِّ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ثلاثٌ للمهاجر بعد الصدر)).

وفقه هذا الحديث كما يقول ابن حجَر في "الفتح": أنَّ الإقامة بِمَكَّة كانت حرامًا على مَن هاجر منها قبل الفَتْح، لكن أُبيح لِمَن قصدها منهم بِحَجٍّ وعمرة أن يقيم بعد قضاء نسُكِه ثلاثةَ أيام لا يَزِيد عليها.

وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يرثي لِحالِ مَن تَخلَّف عن الهجرة كسعد بن خولة.

وبعض الصَّحابة مَرِض مرضًا شديدًا أشفى فيه على الموت، فبكى تَجشُّعًا لفراق النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وخشيته أن يتخلَّف عن الْهِجرة وهو سعد بن أبي وقَّاص؛ قال للنبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أُخَلَّف بعد أصحابي، قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - له: ((إنَّك لن تُخلَّف فتعمل عملاً صالِحًا إلاَّ ازددْتَ به درجة ورِفْعة، ثم لعلك أن تُخَلَّف حتَّى ينتفع بك أقوامٌ، ويُضرَّ بك آخرون، اللهم أَمْضِ لأصحابي هجرتَهم، ولا تَرُدَّهم على أعقابهم، لكن البائسَ سعدُ بن خولة))؛ يرثي له رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنْ مات بِمَكة؛ رواه البخاري.

قال ربُّنا - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 100].

قال الشيخ السعديُّ - رحمه الله - في تفسيره: "هذا في بيان الحثِّ على الْهِجرة والترغيب، وبيانِ ما فيها من الْمَصالح، فوعد الصَّادق في وعده أنَّ مَن هاجر في سبيله ابتغاء مَرْضاته أنه يَجِد مُراغمًا في الأرض وسعة، فالْمُراغم مشتمِل على مَصالح الدِّين، والسَّعة على مصالِح الدنيا" (1/ 393).

والرُّجوع في الهجرة مؤْلِم؛ لأنَّك بذلْتَ شيئًا لله، وعقَدْت عزْمَك على إصلاح نفسك بِهذه الهجرة، فالرُّجوع يفسد كلَّ هذا؛ لأنَّ الْمُهاجر بِهِجرته يقوم بإصلاح عقيدته وعقائد غيره، فالمُجتمَع لا بدَّ أن يهاجر إلى الله بترك القبيح، وفعل الحسَن، وشاهِدُ ذلك أنَّ الهجرة إنَّما كان وجوبُها على مَن أطاقها دون من لا يقدر عليها.

وحماية الناس إنما تكون بأمرين:

1- بَذْل الواجب: بحيث يُسْمَح للدُّعاة والعلماء وطلبة العلم بِنَشر الحقِّ، وتوعية الخَلْق، وألاَّ يَحُول أحدٌ بين الناس وبين المخلصين من دُعاتهم وعلمائهم في تربيتهم وتعليمهم سبُلَ الخير.

2- مَنْع الخلل: وأَعْنِي به منْعَ الفساد والأخْذَ على أيدي المفسدين الذين لا يعظِّمون حرُمات الله، ولا يوقِّرون أمْرَ الله - سبحانه وتعالى.

وهذا لا يتحقَّق إلا بالهجرة؛ أعني: أنْ تُهاجر الجماهير المسلمة إلى ربِّها - سبحانه وتعالى - هجرة جماعية، فإنْ فعلَتْ حصلت لَها هذه الحماية.

وإذا تأمَّلْتَ معي هذه الأحاديث الثلاثة الآتية، تبيَّن لك معنَى الهجرة، وحرْصَ الصحابة عليها، والخشية من الارتداد عنها، والنُّكوصِ على أعقابهم؛ خوفًا من الارتداد عنها، وأن الإنسان قد يترك الأماكن الفاضلة؛ خشية الفتنة في دينه.

الأوَّل: حديث عَمْرو بن عبدالرحمن بن جَرْهَدٍ قال: سمعتُ رجُلاً يقول: لِجابر بن عبدالله: من بَقِيَ معك من أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ قال: بقي أنسُ بن مالك وسلمة بن الأكوع، فقال رجل: أمَّا سلمة، فقد ارتدَّ عن هجرته، فقال جابرٌ: لا تقل ذلك؛ فإنِّي سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - يقول لأسلم: ((ابْدُوا يا أسلم))، قالوا: يا رسول الله، وإنَّا نخاف أن نرتدَّ بعد هجرتنا، فقال: ((إنَّكم أنتم تُهاجرون حيث كنتم))؛ رواه أحمد في "مسنده"، وقال الأرنؤوط: حسَنٌ لغيره.

والثاني: حديث سعيد بن إياس بن سلمة بن الأكوع أنَّ أباه حدَّثَه أنَّ سلمة قَدِمَ المدينة، فلَقِيَه بُرَيدة بن الحصيب، فقال: ارتددْتَ عن هجرتك يا سلمة؟ فقال: مَعاذ الله، إنِّي في إذنٍ من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إنِّي سمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((ابْدُوا يا أسلم، فتنسَّموا الرِّياح، واسْكُنوا الشِّعاب))، فقالوا: إنَّا نَخاف - يا رسول الله - أن يَضُرَّنا ذلك في هجرتنا، قال: ((أنتم مهاجرون حيث كنتم))؛ رواه الطبراني في "المعجم الكبير".

والثالث: حديث يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع أنَّه دخل على الْحجَّاج فقال: يا ابن الأكوع، ارتددْتَ على عقبيك، تعرَّبْت؟ قال: لا، ولكنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أَذِن لي في البدو؛ رواه البخاري في "الصحيح".

فتأمَّل معي حالَ سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - وكيف أنَّ النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أذن له في أن يَسْكُن البادية، ومع ذلك أثبتَ له ولغيره أنَّهم مهاجرون حيثما كانوا، والذي جعل سلمة يتعرَّب أنَّ ذلك حدث بعد مقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - حيث سكن الرَّبَذَة، وتزوَّج وأنْجب أولادًا، وقبل أن يموت بأيام رجع إلى المدينة ومات بِها.

وعامَّة أهل العلم على أنَّ الهجرة باقية لا تنقطع، وهي الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام، وإنَّما الذي انقطع منها أنواعٌ، وقال قوم: قد انقطعت الهجرة بكلِّ أنواعها؛ "موسوعة مسائل الجمهور" (2/ 905).

وقول الجمهور هو المعتبَر؛ لِصَحيح وصريح السُّنة، وهي غير منقطعة ما دامت الرُّوح تسري في الجسد، قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تنقطع الهجرة حتَّى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتَّى تَخْرجَ الشمس من مغربها))؛ رواه أبو داود في "سننه"، والدارمي في "مسنده" وصحَّحه الألباني في "صحيح أبي داود".

فكلُّ من لم يستطع إظهار دينه، وجب عليه الهِجْرة إلى بلاد الإسلام، وكان القوم الأوائل يتركون كلَّ شيء في مقابل أن يلحقوا بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلَّم - في هجرته، فيطلبون حوائجهم على اختلاف أنواعها، وبعضهم يطلب حاجته، فتكون حاجته هي خوف عدم اللَّحاق بالمهاجرين، ويَخْشى أن تكون الهجرة انقطعت فيُهَدِّئُ مِن رَوْعه - عليه الصَّلاة والسَّلام - ويُخْبره أنَّها باقية ببقاء قتال الكفار.

ويجلِّي لنا ذلك حديثُ عبدالله بن السعدي - رضي الله عنه - قال: وفدْتُ إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في وفد كلُّنا يطلب حاجة، وكنتُ آخِرَهم دخولاً على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقلتُ: يا رسول الله، إنِّي تركْتُ مَن خلفي وهم يَزْعمون أنَّ الْهِجرة قد انقطعت، قال: ((لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار))؛ رواه النَّسائي في "سننه"، وصحَّحه الألبانِيَّ في "صحيح الجامع".

والهجرة أنواع:

1- هِجْرة المعاصي من الكفر والشِّرك والنِّفاق وسائر الأعمال السيِّئة: ودليل ذلك قول ربِّنا - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾ [المدثر: 5] وقول نبينا - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في حديث عمر بن عبَسَة - رضي الله عنه - عندما سأله: أيُّ الهجرة أفضل؟ قال: ((أن تَهْجُر ما هجَر ربُّك - عزَّ وجلَّ))؛ رواه أحمد في "مسنده"، وأصله في "صحيح مسلم"، وقول نبيِّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((والْمُهاجر مَن هجر ما نَهى الله عنه))؛ رواه البخاري ومسلم، وهي التي يسميها الشيخ العثيمين بِهِجرة العمل.

وفي حديث عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال رجلٌ: يا رسول الله، أيُّ الهجرة أفضل؟ قال: ((أن تَهْجر ما كره ربُّك - عزَّ وجلَّ)).

وقال: ((والهجرة هجرتان: هجرة الحاضر، وهجرة البادي، فأمَّا البادي، فيُجِيب إذا دُعِي، ويطيع إذا أُمِر، وأمَّا الحاضر فهو أعظَمُهما بَليَّة، وأعظمهما أجْرًا))؛ رواه النسائي وحسنه الأرنؤوط في "جامع الأصول".

وحديث معاوية وعبدالرحمن بن عوف وعبدالله بن عمرو - رضي الله عنهم جميعًا - قالوا: إن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إن الهجرة خصلتان: إحداهما أن تَهْجر السيِّئات، والأخرى أن تُهاجر إلى الله ورسوله))؛ رواه أحمد في "مسنده"، وصحَّحه الشيخ أحمد شاكر.

2- هجرة الكُفَّار العصاة، والمشركين وأماكنِهم، والمنافقين وحضور مَجالسهم بالابتعاد عنهم، ودليل ذلك قول الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ﴾ [المزمل: 10]، فلا يحلُّ لمسلم أن يُساكِن الكفار؛ خشيةَ أن يتطبَّع بطباعهم؛ لأنَّ الطَّبع سرَّاق، ولقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أنا بريءٌ من كلِّ مسلم يقيم بين أظهر المشركين))، قالوا: يا رسول الله، لِم؟ قال: ((لا تَراءَى ناراهُما))؛ رواه أبو داود في "سننه" من حديث جرير البجلي.

3- هجرة القلوب إلى الله - تعالى - إلى علاَّم الغيوب: بإخلاص العبادة له في السرِّ والعلَن، وبالجملة هجرةٌ إلى الكتاب والسُّنة من الشِّركيات والخرافات، والمقالات المخالفة للكتاب والسنة، وهي التي عناها ابنُ القيِّم بقوله: "والهجرة هجرتان: هجرةٌ إلى الله بالطَّلَب والمَحبَّة، والعبودية والتوكُّل، والإنابة والتسليم والتفويض، والخوف والرجاء، والإقبال عليه، وصِدْقِ اللَّجَأ والافتقار في كلِّ نفَسٍ إليه، وهجرةٌ إلى رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حركاته وسكناته، الظَّاهرة والباطنة؛ بِحَيث تكون موافِقَة لِشَرعه الذي هو تفصيل مَحابِّ الله ومَرْضاته، ولا يقبل الله من أحدٍ دينًا سواه، وكلُّ عمل سواه فعيشُ النَّفْس وحَظُّها، لا زادَ المعادِ"؛ اهـ "طريق الهجرتين"؛ (1/ 20).

فلا بُدَّ من هجرة أماكن الكفر، وهجرة الأشخاص السيِّئين، وهجرة الأعمال والأقوال الباطلة، وهجرة المذاهب المخالفة.

قال العزُّ بن عبدالسلام: "الْهِجرة هجرتان: هجرة الأوطان، وهجرة الإثْم والعدوان، وأفضلهما هجرة الإثم والعدوان؛ لِما فيها من إرضاء الرحمن، وإرغام الشيطان"؛ "نضرة النعيم" (8/ 440).

نسأل الله أن يأخذ بِنَواصينا إلى الخير، وأن يُجَنِّبنا ما يسخطه، إنَّه ولِيُّ ذلك ومولاه.

Aucun commentaire:

جمعيات عالمية

عقد شراكة بين جمعيات أجنبية ووطنية

Google

جمعيات لمساعدةَ عامة الناس

جمعيات