dimanche 11 mai 2008

الهجرة السريّة: موريتانيا تدقّ ناقوس الخطر!

الهجرة السريّة: موريتانيا تدقّ ناقوس الخطر!
تعزيز جهود محاربة الهجرة السرية، والعمل على القضاء عليها نهائياً، أو الحد منها على الأقل، ذلك هو الموضوع الأبرز على أجندة وزير الخارجية الإسباني (ميغل موراتينوس) خلال زيارته نهاية الأسبوع الماضي للعاصمة الموريتانية نواكشوط ولقائه بالمسؤولين هناك . وعلى الرغم من أن (موراتينوس) جاء إلى موريتانيا – كما أعلن - محملاً بتهاني الحكومة الإسبانية، إلى الحكومة الانتقالية في نواكشوط، بمناسبة الاستفتاء على التعديلات الدستورية الجديدة، إلا أنه أكد أن الموضوع الأهم في جعبته، هو التباحث مع السلطات الموريتانية بشأن مشكل الهجرة السرية الذي يؤرق الإسبان، ومن ورائهم الأوروبيون، والبحث في أنجع السبل للحد من هذه الظاهرة.والمتابع للتصريحات التي أدلى بها الوزير الإسباني في نواكشوط، سيدرك ببساطة مدى القلق الذي تشعر به إسبانيا، جراء تفاقم هذه الظاهرة، على الرغم من اعترافه الخجول بتناقص عدد محاولات التسلل إلى مدريد، والتي يكون مصدرها عادة الشواطئ الموريتانية، معيداً ذلك إلى تعاون السلطات الموريتانية بشكل إيجابي وجاد، وقد أكد (موريتانيوس) أن بلاده تدرك جيداً خطورة عصابات وشبكات تهريب المهاجرين السريين التي قال: إنها "تبحث دائماً -وبمختلف الوسائل- عن الطرق الخارجة عن القانون"لتهريب المهاجرين أو الإلقاء بهم إلى المجهول". وفي مجاملة دبلوماسية يدرك صاحبها جيداً التذمر الذي عبّرت عنه نواكشوط، جرّاء ما اعتبرته عدم تقدير أوروبي لدورها في محاربة الهجرة السرية، قال الوزير الإسباني: إن مدريد ملتزمة بشكل حازم ونهائي، بالسعي لأن يكون الاتحاد الأوروبي فاعلاً رئيساً، ليس فقط في مجال محاربة الهجرة السرية، وإنما في مختلف جوانب التنمية الأخرى في موريتانيا، مضيفاً أنه وقّع مع الحكومة الموريتانية اتفاقيات في مجال الأمن الغذائي، ودعم المسلسل الانتقالي الديموقراطي، وأخرى في مجال الصيد، وهي الاتفاقيات التي وصفها المراقبون السياسيون بأنها مكافأة إسبانية للحكومة الموريتانية على قبولها استضافة مركز إيواء للمهاجرين السريين الذين يتم إلقاء القبض عليهم في إسبانيا، وقد أُقيم في مدينة نواذيبو شمال البلاد ، وهو المركز الذي أثار حفيظة منظمات حقوق الإنسان وبعض السياسيين الموريتانيين، الذين عدّوا الأمر مساً صريحاً بالسيادة الموريتانية، وعلق أحد قادة أحزاب المعارضة قائلاً: "كيف تقبل حكومتنا أن تستضيف سجناً لإسبانيا، تودع فيه مواطني دول أخرى؛ لأنها لا ترغب فيهم على أراضيها؟ ولماذا لا تقيم إسبانيا هذا المركز على أراضيها هي، أو اراضي أي دولة أخرى؟".
موريتانيا قلقة من ضعف مستوى التعاون الأوروبي
ولم يفوّت وزير الخارجية الموريتاني أحمد ولد سيد أحمد فرصة المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره الإسباني في نواكشوط، ليذكره بلغة دبلوماسية لا تخلو من التلميح، بأن موريتانيا غير راضية عن تعاون إسبانيا والدول الأوروبية معها بشأن محاربة الهجرة السرية، وقال: "يجب ألاّ ننسى أن موريتانيا ليست دولة مصدر لهذه الظاهرة، وإنما هي دولة عبور لمواطني دول جنوب الصحراء، الذين يحاولون ويخاطرون بأرواحهم في بعض الأحيان، عابرين الحدود الموريتانية، سواء براً آو بحراً في طريقهم إلى أسبانيا، وقد اتخذنا الإجراءات اللازمة والمناسبة، مع أن جهود التغلب على ظاهرة الهجرة السرية، تتطلب كثيراً من الوسائل سواء كانت بشرية أو مالية، وقد عملنا في الأسابيع الأخيرة، وبرهنا على أننا في مستوى تطلع الشرعية الدولية، لكننا لا نستطيع أن نتصدى بمفردنا لهذه الظاهرة، وبدون تعاون الدول الأوروبية، وقد قدمنا جملة مطالب إلى الحكومة الإسبانية، ونحن مستعدون لمواصلة التعاون في هذا المجال، من أجل تسيير هذا الملف على الوجه المطلوب"، وتعهد الوزير الموريتاني بإثارة موضوع ما اعتبره التقصير الأوروبي والدولي اتجاه جهود بلاده، في مجال محاربة الهجرة السرية، خلال مؤتمر الرباط الذي سيُعقد في العاشر من يوليو، وهو الاجتماع الذي سيُكرّس لمناقشة هذه الظاهرة وسبل محاربتها، وأضاف: "إننا في موريتانيا مستعدون من جانبنا دائماً لإيجاد حل لهذه المشكلة، يأخذ في الاعتبار مختلف أبعادها".
حملة دبلوماسية
وتأتي زيارة وزير الخارجية الإسباني في إطار حملة دبلوماسية وأمنية واقتصادية تقوم بها إسبانيا ضمن خطة ترمي إلى محاولة لجم موجات الهجرة السرية القادمة من بلدان إفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، وذلك على إثر وصول آلاف المهاجرين السريين إلى جزر الكناري الإسبانية ؛ إذ بلغ عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى الأراضي الإسبانية بطريقة غير شرعية خلال النصف الأول من هذا العام أكثر من :(7300) مهاجر سري مقابل (4751) وصلوا طوال العام الماضي، وفي هذا الإطار كانت الحكومة الإسبانية قد قررت إرسال بعثة دبلوماسية تتألف من (12) عضواً إلى دول غرب إفريقية وجنوب الصحراء، وتتركز مهمتها بوجه خاص في التفاوض مع حكومات السنغال وغامبيا وجزر الرأس الأخضر وغينيا بيساو والنيجر على اتفاقيات تقبل بموجبها هذه الدول استقبال مواطنيها المبعدين من إسبانيا، على غرار الاتفاقيات المبرمة مع المغرب وموريتانيا والجزائر ونيجيريا، ومن المتوقع أن تستغرق مهمة الفريق الدبلوماسي الإسباني ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر، سيتم خلالها افتتاح سفارتين إسبانيتين جديدتين في كل من مالي وجمهورية الرأس الأخضر. ولم تكتف الحكومة الإسبانية بهذه الإجراءات بل أوفدت على وجه السرعة الرجل الثاني في وزارة الخارجية، (برناردينو ليون)، في جولة شملت العديد من بلدان إفريقية الغربية، تمكن خلالها من إقناع السنغال باستقبال أكثر من (700) من مواطنيها سيتم ترحيلهم من جزر الكناري التي وصلوا إليها بطرق غير شرعية، وكذلك السيراليون وغينيا بيساو، اللتان وافقتا من حيث المبدأ على استقبال مواطنيهما الموجودين بصورة غير قانونية على الأراضي الإسبانية، ومقابل ذلك، ستحصل هذه الدول على دعم مالي في شكل معونات اقتصادية مباشرة، وتحويل الديون المستحقة عليها إلى مساعدة لأجل التنمية، بالإضافة إلى تدارس احتمال تخصيص حصص سنوية لعمال يستجلبون منها، وحصولها كذلك على مساعدات من صناديق خاصة تابعة للاتحاد الأوروبي.وكان تدفق أفواج المهاجرين السريين إلى إسبانيا عبر الأراضي الموريتانية، قد شهد ارتفاعاً كبيراً في الآونة الأخيرة، بعد تحصين الحدود بين المغرب ومدينتي سبته ومليلية، وتكثيف إجراءات الرقابة والرصد ، التي اتخذتها حكومتا الرباط ومدريد على الحدود البحرية المشتركة بين البلدين.
لماذا قبلت نواكشوط باستضافة المبعدين؟
وفي نواكشوط يثير عدد من السياسيين ونشطاء المجتمع المدني، أسئلة كثيرة بشأن سهولة الاتفاق الذي توصلت إليه إسبانيا مع موريتانيا بهذا الشأن، مقابل الصعوبات التي تواجه مدريد في مفاوضاتها مع بعض الدول الإفريقية الأخرى، بشأن الهجرة السرية، معتبرين أن ذلك يطرح علامات استفهام كبيرة، ومتسائلين عما إذا كان عهد الشفافية الذي بشر به المجلس العسكري والحكومة الانتقالية، يفرض على السلطات الموريتانية أن تشرح لموطنيها السر وراء سرعة إنجاز الاتفاقية التي قبلت بموجبها استقبال المهاجرين المبعدين، الذين يدخلون إلى أسبانيا بصورة غير قانونية عبر أراضيها، فيما لازالت الحكومة الإسبانية تواجه-على الرغم من الانتشار الدبلوماسي غير المسبوق والحوافز المالية المقدمة- مصاعب جمة في إقناع الدول الأخرى بإبرام اتفاقيات مماثلة، فهل مرد ذلك إلى "ذكاء خارق" لدى الدبلوماسية الموريتانية مكنها من الحصول على مطالبها بسرعة فائقة، أم أن بحث المجلس العسكري والحكومة الانتقالية اللذين وصلا إلى سدة الحكم في نواكشوط عن طريق انقلاب عسكري، عن الشرعية والاعتراف الدولي، دفعت بموريتانيا إلى محاباة إسبانيا ومن ورائها الاتحاد الأوروبي، والقبول باستضافة المهاجرين المبعدين إلى حين ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية، وهي الاستضافة التي سبق وأن حذر منها رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي (ألفا عمر كوناري) حين قال: "هم يريدون منا أن نكون حرساً لحدودهم، وسجّانين لهم، وهو ما نرفضه، وينبغي ألاّ نقبل به أبداً"، هذا إضافة إلى سعي موريتانيا لاستعادة التعاون مع أوروبا الذي توقف معظمه بعد انقلاب الثلاث من أغسطس 2005.ويجمع معظم الخبراء السياسيين على أن دول جنوب الصحراء، مطالبة برفع سقف مطالبها خلال مؤتمر الرباط القادم، للاستفادة من القلق الأوروبي من تفاقم هذه الظاهرة، إضافة إلى أن أي اتفاق مستقبلي بين الطرفين، يجب أن يأخذ في عين الاعتبار الظروف الاقتصادية والاجتماعية لهذه الدول، والتي دفعت بمواطنيها إلى ركوب المخاطر والمجازفة بأرواحهم من أجل الوصول إلى "جنة أوربا الموعودة"، وبالتالي فإن العمل على تحسين هذه الظروف ينبغي أن يكون أهم مطلب إفريقي في هذا المؤتمر.وإلى أن يلتئم مؤتمر الرباط تبقى لكل طرف أجندته الخاصة، وتبقى الكرة في مرمى أوروبا باعتبارها الخاسر الأكبر إذا ما استمرت موجة الهجرة السرية في التدفق إلى أراضيها، فهل سيحسن الأفارقة استغلال الكرة، وتسجيل أهداف اقتصادية وسياسية في المرمى الأوروبي؟

Aucun commentaire:

جمعيات عالمية

عقد شراكة بين جمعيات أجنبية ووطنية

Google

جمعيات لمساعدةَ عامة الناس

جمعيات